مساحات الموت


عمل على إنتاج الحلقة كل من:

بحث وإنتاج: مي ابوصالح.

تقديم: عزة محمد.

تحرير: حسام هلالي ومي ابوصالح.

موسيقى: الزين ستوديو.

تعليق وميكساج: طارق سليمان.

ادارة: زينب عثمان.

معدات ومساعدة تقنية: المصطبة TV

تصميم بوستر: عزة محمد


تخليد الذكرى ضمن مساحات الموت في الخرطوم

بقلم: مي أبوصالح – ترجمة: هالة جعفر – تدقيق لغوي: ريان خليل

مساحات الموت، على النقيض لما يوحيه الاسم، هي في الواقع أماكن حيوية في المدينة، حيث طَوّرت كل ثقافة إنسانية أساليب تعبير وبناء جنائزي مختلفة، تترادف مع المعتقدات والقيم المحلية، مما يعطي نظرةً عميقةً لهذه الثقافات. ولكن أهمية هذه المساحات تتوارى في الغالب عن الحوار العام حيث أنها غالباً ما تُهمل ولا تُعطَى إلا قليلاً من التفكير و التأمُّل.

هذا المقال يهتم بمعاينة المقابر في الخرطوم، بالإضافة إلى الأماكن الأخرى المرتبطة بالموت في المدينة لفهم الأدوار التي تقوم بها بجانب الدفن. وبالتالي سيستخدم مصطلح “مساحة الموت Deathscape” لتحديد متطلبات ما يمكن اعتباره “مساحة” للموت وكيفية ارتباطه بالمدينة. فمصطلح “Deathscape” نفسه حديث نسبيًا وتم تبنيه من الخبراء “لوصف كل الأماكن المتعلقة بالموت والموتى، وكيف تصطبغ بمعانٍ وأشياء ذات صلة: مثل موقع الجنازة، وأماكن المثوى الأخير وذكرى الموتى، وكل طرق التمثيل لهؤلاء.” فإن تبنّي هذا المنظور أثناء معاينة العلاقات والتداخل بين الأحياء والأموات يمكّننا من رؤية المدينة بطرقٍ مختلفة، حيث أنه “لا تكون هذه الأماكن مشحونة بالعواطف فحسب، بل هي كثيراً ما تكون خاضعةً للصراع الاجتماعي والسلطة.”

لكشف الغطاء عن هذه العلاقات، ستتم معاينة ثلاثة أنواع من مساحات الموت في الخرطوم: قباب الأولياء الصالحين، المقابر، وأخيراً النُّصُب التذكارية في المدينة. إن كلاً من هذه الأنواع سيمكّننا من رؤية تأثير مساحات الموت عبر عدة موازين: المبنى المشهد والمجسم. بمعاينة تاريخ هذه الأنواع وطبيعة العوالم التي تسكنها – سواءً كانت روحانية و/أو مدنية- فإن هذا المقال يناقش أنّ لمساحات الموت القدرة على لعب دور أرشفة ملموسة تحتفظ بتاريخ المدينة بتراكم الحكايا المرتبطة بها. وعبر هذه العملية، فإن أماكن الموتى تقاطعت مع أماكن الأحياء وصارت مواقع صراع تتجلى فيه العلاقات الاجتماعية والسياسية في المدينة. فمنطقة وسط الخرطوم كمثال تقبع فوق موقع دفن قديم تم إغلاقه والبناء فوقه في بداية القرن العشرين، مع بقاء القليل جداً من آثار المقبرة القديمة. على بعد أحياء قليلة، شهدت المنطقة كذلك كثير من مشاهد الموت ومعارك المقاومة السودانية ضد حُكميْ الاستعمار التركي-المصري والإنجليزي-المصري. بالإضافة لذلك شهدت المنطقة الوفيات التي نتجت من أحداث العنف خلال ثورتي ١٩٦٤ و١٩٨٥ الوطنيتين، وفي تاريخٍ أحدث: مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في يونيو ٢٠١٩. هذه الوقائع السياسية العديدة حدثت بالقرب من وسط الخرطوم نسبةً لعلاقتها بمقعد السلطة في الدولة، و بالتالي فإن الوفيات الناتجة عن هذه الأحداث تُميِّز الموقع عن غيره في العاصمة.

بالنظر إلى تأثير مساحات الموت في الخرطوم عبر الأنواع المختلفة التي سنقوم بمعاينتها، يحاول هذا المقال فهم العلاقة ما بين الموت وتخليد الذكرى في المدينة للكشف عمّن وعمّا الذي تُخلّد ذكراه، وماذا يخبرنا التاريخ عن أحوال تخليد الذكرى في الخرطوم.

القُبب وقوة التأثير المعماري:

لا يمكن أن يبدأ النقاش عن مساحات الموت في الخرطوم دون الاعتراف بواحدة من أكثر مساحات الموت أهميةً لتأثيرها المعماري والأثري، والتي حَظِيَتْ بأثر عميق على المجتمع السوداني، ألا وهي القباب التي هي أماكن دفن الأولياء الصالحين.

خلال القرون الخمسة الماضية، برزت القباب برسمها لخط الأفق بمحاذاة ضفاف النيل، كمَعلَم أساسي في القرى والمدن بوسط السودان وشماله وشرقه. ويبدو أنها ظهرت مع السلالات الحاكمة الإسلامية الأولى في السودان، العبدلاب والفونج، ما بين القرنين الرابع عشر والسادس عشر الميلاديين.1 وخلال القرون التالية، استمرت عملية البناء والمحافظة على هذه القبب متجذرة في المجتمع السوداني، والتي يُنظر لها “كمزارات وأماكن للتضرُّع الفردي والتذكُّر الجماعي، ومراكز للحياة الدينية في جوانبها الروحية الاجتماعية.”2

شهدت منطقة الخرطوم تمركزاً لرجال الصوفية والأولياء الصالحين منذ بداياتها، حيث أسس الشيخ أرباب العقائد –الذي وُلد بجزيرة توتي– أول قريةٍ سُكنت بمنطقة الخرطوم عام ١٦٩١ والتي صارت كذلك مقصداً للعديد من أتباعه وطلابه.3 كما أن سياسات الفونج والعبدلاب حرصت على إقطاع الأراضي للفقهاء وإعفائهم من الضرائب حتى يتفرغوا لتدريس علوم الدين.4 فبفضل ذلك استقر كلٌّ من الشيخ حمد ود أم مريوم والشيخ خوجلي في منطقة بحري الحالية، والشيخ إدريس ود الأرباب في العيلفون، بالإضافة لعدة شيوخ آخرين.5 وبالتالي فإن توسُّع منطقة الخرطوم بالتأكيد يمكن ربطه باستقرار وأنشطة هؤلاء الأولياء والصالحين.

إن قدرات الشيوخ –التي يطلق عليها الكرامات– تعتبر نِعَماً من الله لا يحدّها حتى الموت، الأمر الذي يجعل مدافن هؤلاء الشيوخ أماكن حيوية للمجتمع.6 ولهذا السبب فإن بعضاً من القباب والأضرحة باتت معروفة بعلاج أمراضٍ عديدة، بينما اشتهرت أُخر بمساعدة النساء في الخصوبة، وغيرها من القدرات التي تنسب إلى الشيخ قبل مماته.7 فهذه المعتقدات متجذرة للغاية في المجتمع السوداني، حيث تَتَردّد أسماء الأولياء فوراً على ألسنة أتباعهم في أوقات المرض والمحن والمخاطر، دافعةً إياهم لزيارة تلك القبب والأضرحة طلباً للبركات.8 وتكون القباب أكثر قابلية لأن تظل مزاراً عند ارتباطها بالخلاوي أو المسيد، وهي المراكز الدينية للطرق الصوفية والتي تعمل كمؤسسات للعبادة والتعليم والإرشاد.9

إنّ العلاقة الوثيقة التي تربط بين الأولياء الصالحين والمجتمع هي السبب وراء تواجد القباب عادةً داخل أو بالقرب من مقبرة، محاطةً بقبور أقرباء الولي وطلابه. فهذه المقابر تستعرض ترابطاً مثيراً للاهتمام بين الحياة والممات، إذ هي أماكن مليئة بالنشاط، حيث تقام فيها الاحتفالات الدينية باستمرار. فقبة الشيخ حمد النيل في أمدرمان، مثلاً، تعتبر من أهم البقع السياحية في العاصمة، حيث ثُقام “النُّوبة” كل يوم جمعة، وهي حلقة ذكر تبدأ بمسيرة ما بين القبور والتي تتحوّل فيما بعد إلى تجمّع ترتل به المدائح والأهازيج الصوفية إلى جانب الرقص.10 ويُقام أيضاً عدد من الاحتفالات بانتظام مثل المولد النبوي الشريف وما يُعرف بـ”الحولية” وهي ذكرى وفاة الشيخ.

احتفال يقام أسبوعياً بقبة الشيخ حمد النيل بأمدرمان

تَذكُر عالِمة الآثار السودانية بروفيسور انتصار صغيرون أن منشأ الطراز المعماري لقباب شيوخ الصوفية في السودان يختلف عن نظيرتها في العالم الإسلامي، حيث أنها مشتقة من الطراز المعماري المحلي قبل الإسلامي، كالأهرامات الكوشية، والبناء المخروطي لقطاطي قبائل الشُّلُك والنُّوير في جنوب السودان.11 وتُضيف أيضاً أن الطوب الأحمر المستخدم لبناء العديد من قباب عهد الفونج قد تم انتزاعه من آثار الكنائس المسيحية والمباني المحلية لمملكة علوة، مستنتجة بأن العناصر الوثنية والمسيحية والإسلامية قد تمازجت لخدمة الإسلام.12 من جانبٍ آخر فإن الطراز العمراني لقبب عهد الفونج قد تأثر إلى حدٍ كبير بالغزو التركي عام ١٨٢١، حيث أَدْخَلتْ الإدارة التركية المصرية طرازاً جديداً للقباب، ظهر في القبة التي تُشيّد فوق قاعدة مربعة.13

قبب تشابه خلايا النحل من فترة الفونج موجودة بمقابر المسلمين في دنقلا العجوز.14

في وسط مدينة الخرطوم، شمال شرق تقاطع شارعيْ البلدية والقصر، تقف قبّتان تمثِّلان بعضاً من آخر الآثار الباقية التي تعود لفترة الحكم التركي المصري للسودان، والمعروفة حالياً بقباب الأتراك. شُيّدت هذه المباني الجنائزية في مقبرة الخرطوم القديمة، والتي كانت الموقع الرئيسي للدفن بالمدينة في ذلك الوقت.15 أُحيطت القباب التركية بالقبور، تمامًا كقباب أولياء الصوفية في السودان، ولكن عوضاً عن مدافن المريدين، احتوت تلك المقبرة على بعض من القبور التابعة لها، فتضمنت قبوراً للجنود السودانيين الذين جُنّدوا للخدمة في الجيش التركي المصري.16

شُيّدت القبة الشرقية أولاً لدفن أحمد باشا أبو ودان، الحاكم العام للسودان بين عامي ١٨٣٩ و١٨٤٣،17 والذي توفي في ظروف غامضة بعد إيقاف مهمته لشن غارة على دارفور في آخر لحظات تبعًا لشكوك محمد علي باشا، حاكم مصر، بخيانته وتورطه في مؤامرة.18 أما القبة الغربية فتحتوي رفات موسى باشا حمدي والذي تولى أيضاً منصب الحاكم العام للسودان بين عامي ١٨٦٢ و١٨٦٥،19 ولكنه عُرف بمَكره وقسوته اللذيْن استخدمهما للصعود لأعلى الرُتب، وكان يُروى عنه أن القتل والتعذيب لم يكونا بالنسبة له سوى وسائل لقضاء الوقت.20 وانتهى حكم موسى حمدي عقب وفاته في الخرطوم عام ١٨٦٥ بداء الجُدري.

القباب والمقابر التركية بالخرطوم.21

وفي العقود اللاحقة، تغلّب أنصار الإمام المهدي على الحكم التركي المصري في عام ١٨٨٥ وفُككت ودُمرت الخرطوم عاصمة الأتراك السابقة، للسماح لأمدرمان، عاصمة الدولة المهدية، بالنهوض.22 كيف إذاً تمكّنتْ هاتان القبّتان من النجاة من غضب أنصار المهدي ومحو الخرطوم بينما كانتا تحويان رُفات اثنين من حكام الإدارة التركية المنبوذة؟ نجاةُ تلك القبتين من الخراب يبقى ملحوظاً خاصةً عند الأخذ في الاعتبار أن أنصار المهدية لم يُمانعوا هدم قباب رجال الدين الصوفيين، حيث سبق أن قام الأمير عثمان دقنة بهدم قبة السيد الحسن الميرغني في كسلا بسبب معارضة الطريقة الميرغنية للمهدية.23

قد يكون السبب، على سبيل الدهشة، متعلقاً بأهم رموز الدولة المهدية، ألا وهي قبة المهدي نفسه. إن هناك تشابهاً بنيوياً بين القبب التركية وقبة المهدي بأمدرمان، يتجلَّى في القاعدة المربَعة تحت القبة، حيث أن هنالك آراء تقترح بأنّ القبب التركية قد استُخدمت كنموذجٍ معماريٍ لتشييد قبر المهدي، الذي تُوفي بعد فترة قصيرة من تحرير الخرطوم من حكم الأتراك.24 إنّ الأثر التركي المصري في تشييد قبة الإمام المهدي يتجاوز ذلك، حيث أن خليفة المهدي، الخليفة عبد الله التعايشي، أوكل للمعماري المصري إسماعيل حسن مهمة بناء القبة، وتم استخدام الأبواب والشبابيك المنتزَعة من مباني الخرطوم التركية في تشييد القبة.25 وللمفارقة فإن أعظم رمز للمهدية قد تأثَّر بشدّة بعمارة النظام الذي حارب ضده.

طوال فترة الدولة المهدية، ارتفع رأس قبة المهدي شامخاً لأكثر من ١٠٠ قدم، مما جعلها أكثر معلَم بارز على سماء المدينة.26 فمن خلال بناء هذه القبة المذهلة والتي لم تشابهها أي قبةٍ أخرى في السودان في ذلك الوقت، ظلت سلطة شخصية المهدي مستمرة وامتدت حتى بعد مماته، حيث أصبح ضريحه رمزاً ومزاراً من قِبل أنصاره الذين قَدِموا من كل أنحاء البلاد طلباً للتبرّك.27

كان البريطانيون على علم بقوة هذا الرمز عند زحفهم لأمدرمان في عام ١٨٩٨ أثناء حملة استرداد السودان. حيث رافق سلاطين باشا –الحاكم السابق لمديرية دارفور في فترة الحكم التركي– حملات السودان بين عامي ١٨٩٦ و١٨٩٨ وأصر على أن أول هدف للسيطرة على أمدرمان يجب أن يكون قبة المهدي.28 نسبة لأنه كان أسيراً للأنصار لثلاثة عشر عاماً، فقد رأى سلاطين بنفسه أهمية وقُدسية الموقع كقلب للمدينة. وقد تكون دوافعه أيضاً تأثرت بالأحداث التي جرت عند تحرير الخرطوم في ١٨٨٥، حيث صوّر في كتابه (السيف والنار في السودان) اللحظة التي جلب فيها الأنصار له رأس تشارلز غردون المقطوع، آخر حاكم عام للإدارة التركية.29

رسم يوضح إحضار رأس غردون إلى سلاطين.30

كان موت الجنرال غردون صدمة للبريطانيين وبات دافعًا كبيراً لحشد الدعم الشعبي ضد السودان، حيث “استشعروا الحوجة الماسة لاستعادة الاحترام الشخصي و المؤسَّسِي والوطني”.31 وكانت بريطانيا –على التوازي– قلِقة بشأن نوايا القوى الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وإيطاليا وبلجيكا، وتأثيرها المتزايد على أفريقيا، والذي أكّد الحاجة لاسترداد السودان.32 وتجدر الإشارة كذلك إلى أن حملات السودان قد قادها السردار هيربيرت كتشنر الذي شارك في حملة إنقاذ غردون الفاشلة بين عامي ١٨٨٤ و١٨٨٥.33

هينري سيبينقز رايت، منتقم غردون، رسم توضيحي بجريدة لندن نيوز، ١٨٩٨.34

قام البريطانيون بجلب الهاويتزر ذات الخمس ونصف ٥.٥ بوصات، لهدم قبة المهدي وأجزاء أخرى مهمة من المدينة، والتي زُودت بقذائف الليديت شديدة الانفجار التي أُطلقت في معركة أمدرمان للمرة الأولى في التاريخ.35 وسرعان ما سقطت أمدرمان، حيث أن جيش الخليفة لم يكن نِدَّاً للقوة النارية البريطانية والتي قَتلتْ أكثر من ١٢،٠٠٠ من الأنصار.36 لم تكتفِ كتائب كتشنر بضرب القبة تحت أوامره فحسب، بل دمّرتها تماماً وتمادت أكثر من ذلك بانتهاك قدسية ضريح المهدي بوحشية بالغة، في انعكاس رمزي لمقتل غردون باشا،37 انتهاءاً بإلقاء رُفات المهدي في نهر النيل.38 ولكن تم انتقاد هذا الفِعل بشدة في الصحف البريطانية، بل وفَتَح البرلمان البريطاني تحقيقاً في هذا الأمر.39 بالرغم من ذلك تم إعلان أن جذوة المهدية قد تم إخمادها بهدم قبة المهدي، حيث ظلّت مدمَّرة لأغلب فترة الحكم الثنائي للسودان (١٨٩٨ – ١٩٥٦) لتصيرَ تذكيراً دائماً بقوة الإمبراطورية البريطانية.

(يمين) قبة المهدي في فترة الحكم الثنائي بعد ضربها، ١٩٠٦.40 (يسار) قبة المهدي عند الهجوم على أمدرمان، ١٨٩٨.41

ناشد السيد عبد الرحمن المهدي الحكومة البريطانية باستمرار بأن تسمح له بإعادة بناء ضريح والده، ولكن مطالِبَه قوبلت بالرفض المستمر خلال الفترة الاستعمارية خوفاً من إعادة إحياء المهدية.42 ولكن بعد ٤٩ عاماً، سمح البريطانيون أخيراً للسيد عبد الرحمن المهدي بإعادة بناء القبة عام ١٩٤٧.43 وشُيّدت القبة، المعاد بناؤها حديثاً، كذلك على طراز معماري متأثِّر بعناصر مصرية، فبجانب القاعدة المربّعة للقبة، تُشير انتصار صغيرون أن القبب الصغيرة الموجودة على الأركان الأربعة لقبة المهدي تُشبِه تلك الموجودة في الأضرحة المصرية.44

وتَميَّز القرن العشرين بزيادة في النشاط الصوفي في السودان، والذي تجلّى في بناء قبب جديدة بالإضافة إلى ترميم أخرى قديمة، وأصبحت قبة المهدي ذات تأثيرٍ ملحوظ في هذه العملية. فالقبب المبنية حديثاً كانت أكبر وأكثر ألوانًا من القبب التي ترجع لعهد الفونج، وأظهرت تصاميمها أبواباً ونوافذَ مفصّلة ومساحات داخلية واسعة.45 ورَوّج لهذه “الصحوة الدينية” للطرق الصوفية بشكل خاص المشير جعفر النميري رئيس السودان في الفترة بين ١٩٦٩ و١٩٨٥ والذي ينسب له الفضل في استبدال القبب القديمة وبناء أخرى جديدة. استمر هذا التوجه حتى بعد انتهاء فترة حكمه إلى يومنا هذا.46 وكان لاهتمام النميري دوافع سياسية، حيث اتجه للشعبوية لاستجلاب دعم الطرق الصوفية الصغيرة.47 وكان تشييد هذه القبب الجديدة مستوحى في معظم الأحيان من طراز بناء قبة المهدي، ولكن هذا التوجه في بناء القبب كان له أثر مباشر على قبب عهد الفونج القديمة، حيث أن القبب المتهالكة من تلك الحقبة هُدمت واستبدلت بأخرى جديدة.

قبة المهدي بعد إعادة بنائها. تشارلز بيري/جمعية شوستال.48

على بُعد حوالي ٣٢ كيلومتراً جنوب شرق الخرطوم، يقع أحد أبرز الأمثلة على محو طراز قبب عهد الفونج، ألا وهو ضريح الشيخ إدريس ود الأرباب في العيلفون. فالشيخ إدريس عاش بين عامي ١٥٠٧ و١٦٥٠م وكان عالماً ومستشاراً لحكام الفونج،49 وهو واحد من أبرز شيوخ الصوفية في السودان حيث تظل قبته مزاراً هاماً حتى هذا اليوم. شُيّدت القبة الأصلية بطرازٍ مدَرَّج –وهو طراز استُخدِم في قبب عهد الفونج– ولكن بعد انهيارها، أُعيدَ تشييدها بطراز القبب التركية عام ١٩٢٨ وفقًا لعالِم الآثار صلاح عمر الصادق.50 ولكن تعلّل صغيرون لرواج هذا الطراز بتشييد قبة المهدي.51 في كلتا الحالتين، فإن التأثير الذي جاء مع الاستعمار قد كان له أثر مباشر على عمارة القباب في السودان، وكما تضعه صغيرون باقتضاب: “فإن التكلفة بالنسبة للمجتمع كانت تعني خسارة جزء من ثقافة متميزة وإرث جمالي عبر إزالة القباب القديمة“.

قبة الشيخ إدريس ود الأرباب في العيلفون بعد إعادة بنائها. تلاحظ صغيرون أن السكان المحليين قالوا أن القبة القديمة كانت شبيهة بالملاصقة لها (أي مدرجة).52

مثل الطِرس، يمكن للقبب أن تَجمَع طبقات من التاريخ والثقافات ترجع إلى قرون من الزمن، فهي تعمل كأرشيف مادي لدية القدرة على صنع جسر بين الماضي والمدينة الحاضرة التي نعيش فيها. تمركزت القبب في قلب العديد من التحولات السياسية التي حدثت في السودان، حيث أن مكانتها تجاوزت كونها مجرد أماكن للدفن لتصبح أماكن مليئةٍ بالحياة، والصلاة، والأمل، والاحتفالات والثقافة. فبالرغم من أن الطراز المعماري لقبب الفونج يتعرض للمحو والاستبدال، إلا أن هذا النوع من أرشفة وحفظ التاريخ، عبر بناء القبب المُعطَى لشيوخ الطرق الصوفية، قوي لدرجة أن أسماءهم ما زالت مذكورةً حتى اليوم، بصورة تجاوزت حتى أسماء حكام سلطنة الفونج.

السؤال هنا هو: هل تجاوُز هذا النوع ذاته من التخليد والأرشفة للشخصيات القوية لرجال الدين ليقوم بتشكيل ثقافة التذكر في السودان ككل؟ لنحاول الإجابة عن هذا السؤال، سننظُر إلى الأنواع الأخرى من مساحات الموت الموجودة في الخرطوم لاستكشاف وضعها الحالي من ناحية التخليد.

المقابر: مشهَد الدفنِ المتغيِّر وأَزمة المَدافنِ

الموقع الذي شُيّدت فيه القبب التركية، كان يقع ضمن مقبرة الخرطوم القديمة، وهو موقع دَفْنٍ كان يحتلُّ مساحةً واسعةً من منطقة وسط الخرطوم الحالية، رغم أنّ حدود المقبرة غير واضحة بالتحديد. فعند تشييد مسجد الخرطوم الكبير في أوائل القرن العشرين، عُثر على العديد من الرُفات البشرية في الموقع رُبطت بمقبرة الخرطوم القديمة.53 ولاستكمال بناء المسجد أُصدرت فتوى بخصوص المقابر المندرسة بواسطة مُفتي السودان أحمد أبو القاسم هاشم،54 ممكِّنةً المدينة من إعادة استخدام الأرض التي كانت فيها مقابر الخرطوم القديمة والانتفاع بها.55 فأبو سليم يذكُر بأن المقبرة امتدت شرق المسجد الكبير من ميدان أبو جنزير حتى القبب التركية وسينما كلوزيم.56 ميدان أبو جنزير –المستخدَم عادةً كموقف للسيارات اليوم– يحتوي على رُفات الشيخ الصوفي إمام بن محمد، والذي كان في الأصل مدفونًا في منتصف شارع القصر ولكنه نُقل إلى هذا الميدان عندما رُصف الشارع.57 وبُنيَ ضريح للشيخ داخل الميدان وأُحيط بجنزير، وهذا سبب تسميته بأبي جنزير.

على الأرجح أن حدود مقابر الخرطوم القديمة كانت أكبر من ذلك، حيث دُفنت والدة المهدي زينب بنت نصر الشقلاوي داخل مقبرة الخرطوم القديمة –في موقع مستشفى الشعب التعليمي حالياً– خلال فترة الحكم التركي المصري، ويُقال أن المهدي زار قبرها بعد تحرير الخرطوم عام ١٨٨٥.58 فعندما بدأ التنقيب الأثري في مستشفى الشعب في شتاء ١٩٤٤ – ١٩٤٥، قام عالِم الآثار أ. ج. آركل بنقل قبر والدة الإمام المهدي، بعد حصوله على الإذن من السيد عبد الرحمن المهدي، لمواصلة التنقيب.59

خريطة سلاطين باشا للخرطوم و أمدرمان من ١٨٩٥، موضحةً موقع مقبرة الخرطوم القديمة كما تظهر في الخريطة.60

وأظهرت التنقيبات أن الموقع كان مأهولاً بالسكّان خلال فترات زمنية مختلفة، ابتداءً من العصر الحجري الوسيط.61 وقد عُثر أيضاً على “مقابر ترجع للتاريخ المَرَوِي، وبعض المدافن بحجم كامل ولكن من دون أغراض جنائزية. الأخيرة لم تكن إسلامية، وربما ترجع للحقبة التي كانت فيها سوبا عاصمة مملكةٍ مسيحية”.62 بمعنى أن استخدام هذه المنطقة كمقبرة كانت بداياته غالباً خلال الحقبة المَرَوِيّة.

بُنيت الخرطوم فوق أرض مقابر تماماً، حيث أن هناك مقابر أخرى حول العاصمة قد تم محوها وبُني فوقها ، بالرجوع للفتوى الخاصة بالمقابر المندرسة، مثل مقبرة الشهداء والتي أصبحت محطة الشهداء، بالإضافة إلى مقبرة قديمة في الموقع الحالي لقصر الشباب والأطفال، واللتين تقعان في أمدرمان.63

محطة الشهداء في ذات الموقع كما هو موضح بخرائط قوقل (يمين) ومقابر الشهداء كما توضح خريطة من ١٩٤٩ لأمدرمان (يسار).64
قصر الشباب والأطفال في ذات الموقع كما هو موضح بخرائط قوقل (يمين) ومقابر قديمة مسجلة بخريطة من ١٩٤٦ لأمدرمان (يسار).65

فالعلاقة ما بين الممات ونسيج الحياة الحضريّة للخرطوم مثيرة أكثر للاهتمام عند معاينة الأضرحة العديدة لأولياء الصوفية التي تم استيعابها داخل المؤسسات العامة والمنشآت الخاصة بالمدينة. ويصف صلاح عمر الصادق هذه العلاقة الجاذبة بين مساحات الأحياء والأموات في كتابه (الآثار الإسلامية في منطقة الخرطوم). فعلى سبيل المثال، يوجد ضريح للشيخ إبراهيم صايم الدهرين اليوم داخل مكتب البريد السوق العربي في الخرطوم.66 ويشرح الصادق أن مكتب البريد بُني حول الضريح في بداية القرن العشرين ولكن إدارة المكتب تكفّلت بصيانته وتجديده كأحد واجباته، حيث أن أتباع الشيخ يقومون بزيارة الضريح للتبرّك بانتظام.67 وقُتل اثنان من شيوخ الصوفية خطأً عند تحرير الخرطوم ١٨٨٥، وهما الشيخ عبد الرحمن الخراساني والذي دُفن في الموقع الذي بنيت به المحطة الوسطى في الخرطوم لاحقاً، والشيخ محمد فايت والذي دُفن في ما أصبح لاحقاً المجلس الأعلى لحماية البيئة.68 فهذه الأضرحة الصوفية وغيرها موجودةٌ وسط المكاتب والمباني الحكومية حول المدينة في تحدٍ للزمن، وتعتبر جزءاً من التراث الصوفي لمدينة الخرطوم حيث أنها مزار لأتباع الصوفية، مما يعطي المدينة بُعداً روحانياً. لكن بالرغم من ذلك، فإن الوجود المستمر لهذه الأضرحة يشهد بأن المقابر ليست مخلَّدة دائماً بصورة تسمح لها بالبقاء المستمر لأجيال عدة، كأضرحة شيوخ الطرق الصوفية، مما قد يعرضها لخطر الاندثار.

ثمّة جانب آخر يجب أخذه بعين الاعتبار وهو موقع المقبرة بالنسبة للمدينة. فبينما كانت تتواجد مقبرة الخرطوم القديمة على أطراف المدينة عندما كانت مستخدَمة، يذكر أبو سليم أن المقابر في عهد المهدية كانت متمركزة في وسط المدينة.69 ولكن بسبب المخاطر الصحيّة التي نُسِبت للقُرب من المقابر، قام الخليفة عبد الله بتخصيص مساحات واسعة من شمال أمدرمان لمقابر جديدة،70 والتي أصبحت معروفة لدينا بمقابر البكري، وأحمد شرفي، والجمرية.71 ومعظم المقابر في الخرطوم أُسست بصورة مماثلة على أطراف المدينة مثل: حمد، وخوجلي، وحمد النيل، والصحافة، وبُرّي، والكومنويلث، وغيرها. ولكن عند نمو المدينة من موجات الهجرات في العقود اللاحقة، أصبحت المقابر محاطةً مرة أخرى بالمدينة كأثرٍ جانبيٍ طبيعيٍ لعملية التمدُّن. فإن المشكلة التي برزت من خلال هذه العملية، هي أن المقابر لن تكون قادرةً على التوسع ومجابهة الضغوط الجديدة التي تأتي مع النمو السكاني في المدينة. ونسبة لذلك شهد العقد السابق سيلاً من المقالات الإخبارية التي تناقش أزمة قبور تحدث في الخرطوم.

بسبب العادات الثقافية والدينية، فإن عملية الدفن في السودان تاريخيًا كان يتكفّل بها إما عائلة المُتوفى، أو أفراد متطوعين حيث أنه لم تكن هنالك جهة حكومية رسمية أو خاصة تبنّت هذه المسؤولية. ومن دون وجود جهة لتنظيم الدفن وتخطيط مساحة المقابر، فإن عملية الدفن كانت تتم بطريقة عشوائية وبدون الأخذ في الاعتبار لاستهلاكها مساحة المقبرة. وبسبب هذه الظروف وأخرى عدة، أُسِّسَت منظمة حُسن الخاتمة غير الربحية في عام ٢٠٠٠.

قامت وما زالت منظمة حسن الخاتمة تعمل على تحسين بيئة المقابر عموماً وذلك بتنظيم الدفن، وصيانة مباني خدمات المقابر، وزراعة الأشجار والتسوير والإضاءة وغيرها. ولكن على الرغم من عمل المنظمة يبدو أن المشاكل التي تواجه المقابر قد استمرّت. فمعظم الأشخاص الذين يقومون بدفن أحبّائهم اليوم في الخرطوم يختبرون المهمة الصعبة جداً لحفر قبرٍ وإيجاد قبرٍ آخر مكانه، ثم القيام بتكرار المهمة حتى العثور على مكانٍ خالٍ للدفن.72

نسبة لاستشعارها بوجود مشكلة حقيقية بالدفن في المدينة في ذلك الوقت، قامت منظمة حسن الخاتمة بتنظيم مؤتمر في عام ٢٠٠٩ يطرح سؤال أين ندفن موتانا وقد امتلأت المقابر؟73 وخلال هذا المؤتمر، عُرضت أمثلة عديدة من حول العالم الإسلامي كحلول بديلة محتَمَلة للتعامل مع أزمة الدفن، والحل الذي حظى على إقبال مُجتمعي كان الاقتراح الذي يدعو لإنشاء مقابر جديدة.74 فدعت منظمة حسن الخاتمة لهذا الحل لدرجة أن وزارة التخطيط العمراني أقرّت بالحوجة لتأسيس مقابر جديدة، وتبعًا لذلك قامت بتخطيط 52 مقبرة جديدة في الخطة العمرانية للخرطوم لعام ٢٠٣٠.75 بالرغم من أن القليل من المقابر الجديدة قد تم إنشاؤها بالفعل،76 إلا أن معظم هذه الخطط لم تُنفَّذ بعد؛ حيث وَجَدت الوزارة أن العديد من المواقع المقترحة غير مناسبة وتحوي كثيراً من المشاكل.77

بالإضافة إلى ذلك، فإن الحل الذي يقترح إنشاء مقابر جديدة، في الأصل، يتجذّر من منظور تخطيطي للمدينة، إلا أن علاقة مقابر الخرطوم بالتخطيط تنتهي عند حدودها. فبعكس الاهتمام المُعطَى لتخطيط وصيانة قبب أولياء الصوفية وترابُطِها مع الأماكن الحيّة في المدينة، فإن المقابر منفصلة تماماً عن المدينة ولا تُولّى نفس القدر من الرعاية والاهتمام. فالمقابر في الخرطوم، في الحقيقة، مهمَلة تماماً من حيث عمليتي التخطيط والتصميم، ومعظم عمليات الدفن تتم بها بصورة بعشوائية.

ومع استمرار أزمة الدفن، يشرح د. علي بخيت، أحد مؤسِّسِي منظمة حسن الخاتمة، أن طقوس الدفن الإسلامية في الأساس تسمح للمقابر بالاستدامة، حيث أن الجسم يتحلّل كلياً تقريباً، وبالتالي فإن القبر يمكن إعادة استخدامه بعد عقود.78 وفصَّل أكثر بالإشارة إلى أن الدفن في مقابر المسلمين يستمر بالنشاط لقرون، مستشهداً بمقابر البقيع في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية ومقابر حلة حمد ببحري (الموجودة قبل ٤٠٠ عام).

بأخذ وجهة نظر د. بخيت في الحوار مع النزعة الحالية للدفن، بالإضافة لفتوى المقابر المندرسة التي رُجع إليها عند إنشاء الخرطوم في بداية القرن العشرين، فإن هناك بعضاً من التناقضات التي تتجلّى؛ فالروابط العاطفية للسودانيين تجاه أماكن دفن ذويهم تعزِّز رغبتهم في الاستمرار في الدفن فيها، مما يشكِّل ضغطاً كبيراً على المقابر، لدرجة أنه في ٢٠١٨ صرَّح المجلس التشريعي لولاية الخرطوم بأن المقابر في الخرطوم قد أصبحت شبه ممتلئة ولا يمكنها استقبال المزيد من المتوفِّين، حيث أن ٢٠٠ شخص يتوفون يومياً في الولاية.79 فإذا وافق الجمهور فعلاً على الدفن في مقابر جديدة سيتم إنشاؤها، ماذا سيحدث للمقابر التي وصلت حد الامتلاء اليوم؟ هل سيُبنى عليها كما الحال في مقابر الخرطوم القديمة؟ أم أن المقابر نفسها سيُعاد استخدامها كما يقترح د. بخيت؟

في هذه المتاهة، يستمر المخطِّطون والمعماريون بتجاهل المقابر، مؤكِّدين على أن تظل مساحات غير مخططة مستثناة من البيئة المبنيّة، رغم أن المقابر تأخذ حيّزاً كبيراً داخل المدينة. وخصوصاً بسبب المساحات الكبيرة التي تحتلّها، فإن هناك تهديد حقيقي لهذه المقابر الممتلئة من زحف المدينة، في حال توقَّفتْ عن قبول المدافن وغدت غير نشِطة، تماماً كما حدث تاريخياً لمقبرة الخرطوم القديمة.

ربما يكون التهديد للمقابر مرتبطًا لدرجة كبيرة مع علاقتها المضطربة بالمدينة. فبينما تظل المقابر معزولة ومفتقِرة للتصميم الذي يجعلها قادرة على تلبية حاجات الزوار التي تتخطى الدفن، فإن الرباط العاطفي بالمكان يقل مع الزمن. وهذه العلاقة المتهالكة في مواجهة الزحف الحضري الجاري ربما تقلّل من قيمة تخليد المقابر والحفاظ على تاريخها. فإن كنا بالفعل بصدد الحفاظ على مقابرنا وتجنب محوها، فإن هناك حاجة ماسّة لإعادة تصميم جذري وتدخُّل مساحي لإقناع عامة السكان بضرورة الحفاظ على المقابر داخل المدينة في المستقبل.

النُّصُب التذكاريّة والجدل حولها:

بعيدًا عن مساحات الدفن –سواءً كانت مقابر أو قباب– فإن النُّصُب التذكارية يمكن اعتبارها مساحات موت نسبة لعلاقتها الرمزية بالموت والتخليد، حيث أنها تُستخدم أحيانًا لتخليد ذكرى وفاة أفراد، وفي أحيان أخرى تعلم المواقع المرتبطة بتاريخ وذكريات الموت والعنف والصدمة. وضمن الأخيرة، فإن تشييد النصب التذكارية يسمح لمساحات الموت أن تصبح ميادين تربط بين المساحات الخاصة والعامة حيث أنها “توفِّر مساحات لعدد من الأغراض، بما فيها الحزن الشخصي والتضامن الروحي، والتأمل الخاص من جانب، والتواصل الشعبي والحوار الديموقراطي من جانب آخر“.80 فالنصب التذكارية تُعطِي المجال لقيام هذا الحوار نسبةً لأنها تَسكُن الفراغ العام ولها دور في الاعتراف الشعبي بضحايا العنف والانتهاكات.

إن من أبرز الأحداث الاخيرة التي ارتبطت بالموت وشكّلت جزءاً من ذاكرة الخرطوم هي مجزرة الثالث من يونيو ٢٠١٩ التي صاحبت الفض العنيف لاعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة الذي دام لشهرين. لإسقاط نظام البشير العسكري ذي الثلاثين عاماً، اتجه المتظاهرون للشارع بدايةً من ديسمبر ٢٠١٨، ووصلت الثورة ذروتها عند استيلاء المتظاهرين على منطقة القيادة العامة للقوات المسلحة في ٦ أبريل ٢٠١٩. امتدَّت حدود الاعتصام من قيادة القوات البرية والبحرية والجوية وسلاح المدفعية وحتى مجمع الوسط لجامعة الخرطوم. وخلال هذين الشهرين، أصبح الاعتصام مدينةً مصغّرةً تجلّتْ بها المُثل العليا للثورة السودانية (حرية، سلام وعدالة) وغَدَتْ مكانًا يُتيح لكل السودانيين من أنحاء البلاد التجمّع والتعايُش. فساحة/حدث الاعتصام شهدت إنتاج مساحة عامة لا مثيل لها في تاريخ السودان، مما جعلها مركزًا لكل أنواع النشاطات في المدينة.81

قامت القوات الأمنية في صبيحة الثالث من يونيو بفض الاعتصام بعنف، حارقةً الخيام ومطلِقةً الرصاص لقتل المتظاهرين،82 وتمادت حتى ألقت جثثهم في نهر النيل.83 أُعلن بعدها أن حوالي ١٢٧ شخصاً قُتِلوا من الفض العنيف لاعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة، مع تقدير البعض بأن عدد الوفيات قد تعدَّى ذلك بكثير حيث أن أكثر من ١٠٠ شخص قد أُعلنوا كمفقودين.84

في الثالث من يونيو، تغيّرت كيفية رؤية وارتباط الناس بهذا المكان بصورة جذرية، حيث أنّ كل آثار احتلال الموقع وجدارياته قد مُحيَت وطُمست، في محاولة لمحو الذاكرة الجمعية للاعتصام. فعلاقة موقع الاعتصام بسلطة الدولة هي السبب الرئيس لاختيار المتظاهرين له في الأساس، ولكن ذات هذه السلطة استُخدمت لتأكيد خلو المكان من أي نوع من تخليد ذكرى الاعتصام وضحايا المجزرة. تحت عين الجيش المراقِبة، يقود المارة مركباتهم عبر ما كانت تُعتبَر من قبل يوتوبيا سودانية، تحوّلت الآن إلى ساحة موت بعد أحداث الثالث من يونيو العنيفة.

صورة لبث مباشر من فض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم.85

أصبحت دعوات تخليد ذكرى الثورة وشهدائِها مركزاً للنقاشات حول الأماكن العامة في الخرطوم، حيث أُعيدت تسمية شوارع وأماكن عامة بأسماء الشهداء86 ورُسمت جداريات جديدة لإحياء ذِكراهم.87 ولكن عند الأخذ في الاعتبار شكل تخليد الذكرى الذي حدث نتيجةً للثورة السودانية، فقد يظهر سريعاً أن التذكارات تقف بصرامة، وبحدود إعادة تسمية الشوارع والطلي على حوائط موجودة مسبقاً. وبالرغم من تداوُل مقترحات لتشييد نُصْب تذكاري جديد لشهداء ثورة ديسمبر حول مواقع التواصل الاجتماعي؛88 إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات أبعد من ذلك لتمكين أي مشاريع مشابهة من النشوء على أرض الواقع. وبهذا الصدد، فقد كان تخليد ذكرى الثورة محدوداً جداً ولم يتضمن اعتباراً مكانياً لبناء نُصْب تذكاري جديد وملموس. وفي الحقيقة، كان هناك نقاش كبير عن النصب التذكارية، خاصةً التماثيل التصويرية منها.

في يوم ٢٤ يناير ٢٠١٩، شارك عبد العظيم أبو بكر في مظاهرة في شارع الأربعين بأمدرمان والتُقطت صورة له وهو يواجِه القوات الأمنية قبل لحظات من إطلاقهم النار عليه واستشهاده.89 وانتشرت صورة لحظات وقوفه الأخيرة البطولية على وسائل التواصل الاجتماعي مما دفع الفنان حسام عثمان ومعه الفنانان عاصم زرقان ورامي رزق لنحت تمثال للشهيد عبد العظيم.90 كان من المفترض أن يُنصَّب التمثال في نفس الشارع الذي استشهد به، ولكنه رُفض بشدة؛ حيث نُظر إليه على أنه مخالف للتعاليم والتقاليد الإسلامية. وبعد فشلهم في تنصيب التمثال، أبلغ الفنان حسام أنه بعد شهور قليلة، اقتحمت جهات مجهولة بيته وقامت بتحطيم التمثال.91

صورة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي لتمثال الشهيد عبد العظيم في اليوم الذي كان من المفترض ان يتم تنصيبه في العباسية بأمدرمان.92

إنّ تحطيم تمثال الشهيد عبد العظيم هو فقط أحدَثُ إضافة لتاريخ طويل يعود لعقود من رفض تشييد التماثيل في السودان. فاليوم، معظم النصب الموجودة حول العاصمة هي قطع تجريدية ومن النادر إيجاد أي واحدة تُنسَب لتاريخ السودان، وبالطبع لا توجد تماثيل في الأماكن العامة. ولِفَهْم جذور هذه الظاهرة، من المهم النظر لتاريخ محو التماثيل في المدينة.

إن أول تمثال نُصِّب في تاريخ السودان الحديث كان لتشارلز غردون، حيث ارتَبَطت إعادة إحياء مدينة الخرطوم تحت الإدارة الانجليزية المصرية بتخليد ذكرى مقتل غردون باشا. فكان أول فعل قام به كتشنر بعد هزيمة الأنصار في معركة كرري بأمدرمان هو قطع النهر وصولاً إلى الخرطوم وعمل جنازة شعائرية لروح غردون باشا، في نفس الموضع الذي لقي فيه حتفه، بأنقاض قصر الحكمدارية، في أداء لحداد عام له.93 وبعدها مباشرة بدأ كتشنر بتخطيط الخرطوم ووضع الأفكار التأسيسية لكل من كلية غردون التذكارية –جامعة الخرطوم الآن– وتمثال لغردون باشا.

موقع تمثالي غردون و كتشنر كما توضحه خريطة للخرطوم من ١٩٥٢، مصدرة من قسم السودان للمساحة. موضحة من المؤلفة.94

في أحد أهم الشوارع في الخرطوم، دُشّن تمثال برونزي لغردون وهو يمتطي جملاً في ١٩٠٣ مواجِهاً الجنوب وكأنه يشرف على استحكامات الخرطوم التي دافع بها عن المدينة ضد الأنصار.95 يتجلَّى القصد في اختيار الموقع (أمام القصر الجمهوري) والتسمية (الشارع الذي نصب به سُمي بشارع غردون وهو شارع الجامعة الآن والذي تم ربطه بكلية غردون التذكارية) في مركز ثقل الحكم الاستعماري في السودان.

ووُضِع تمثال آخر استعماري يمثّل كتشنر عام ١٩٢١ لتخليد دوره في احتلال السودان بعد موته المفاجيء بسنوات قليلة.96 حيث صُنع هذا التمثال من الأعيِرة النارية الفارغة التي جُمعت من مواقع المعارك97 ووُضع أمام مكتب الحرب (وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي الآن)، مواجِهاً شارع كتشنر (شارع النيل الآن) والنيل الأزرق.

(يسار) تمثال تذكاري للجنرال غردون على ظهر جمل في وسط تقاطع رئيسي.99(يمين) مكاتب حكومية وتمثال لكتشنر على ظهر فرس. الخرطوم، السودان.98

إن تنصيب تمثالي غردون وكتشنر بالإضافة لتسمية شوارع وميادين هامة في المدينة عليهما كان تمثيلاً ملموساً للسلطة الإمبريالية البريطانية على السودان،100 كما يشرح سافاج عن النصب التذكارية عامةً:

النصب التذكارية العامة هي أكثر الأشكال التذكارية محافَظةً بالضبط لأنها تُقصد بالبقاء، دون تغيير، إلى الأبد. بينما تأتي أشياء أخرى وتمضي، وتضيع وتُنسى، يُفترض أن يبقى النصب التذكاري كنقطة ثابتة، مرسخاً لكلٍ من المشهديْن المادي والمعنوي. فالنصب التذكارية تحاول أن تشكِّل مشهداً من الذاكرة الجمعية، لحفظ ما يستحق التذكر والتخلص من الباقي“.101

ولكن هذه التماثيل ما عادت نقطة ثابتة للشعب السوداني، حيث رُفضت، وبدأت تصفية حسابات الموروث الاستعماري بعد الاستقلال بفترة قصيرة. يذكر أبو سليم على أن التمثالين كانا من مواقع المقاومة للحركة الوطنية، فمنذ عام ١٩٤٩ نُشرت مقالات صحفية عدة تنتقد وجود هذيْن التمثالين، وبالتالي وجود الاستعمار في السودان ككل.102 وأصبح التمثالان محل نزاع ونقاش مطوّل استمر قرابة العقد، ولكن لم تأتِ إزالتهما إلا بعد الاستقلال عقب الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبود في ١٩٥٨.103 وأرادت حكومة عبود العسكرية المؤسَّسة حديثاً أن تؤدِّي عملاً لافِتاً للأنظار يضفي عليها سمات الوطنية ويعطيها الشرعية فقامت بإرجاع التمثالين شحناً للبريطانيين بلندن.104 وسرعان ما لحق ذلك محو للأسماء المتعلقة بالاستعمار، فأصبح شارعا غردون وكتشنر شارعي الجامعة والنيل. بينما كانت إزالة تمثالي غردون وكتشنر مدفوعة بمشاعر وطنية ضد الاستعمار، لكنهما وَضَعَا علامة البداية لاجتثاث كل التماثيل التي نُصبت لاحقاً في الخرطوم.

جريدة الأهرام، “إزالة تمثالي جردون وكتشنر من الخرطوم”. ١٩٥٨.

في العقود التالية، بدأت تُنصب التماثيل في مدن مختلفة في السودان. ففي بورتسودان نُصب تمثال للقائد العسكري المهدوي عثمان دقنة،105 وفي رفاعة لتخليد ذكرى بابكر بدري –رائد تعليم المرأة في السودان– نُصب له تمثال في أول مدرسة قام بتأسيسها.106 وأيضاً بعد ثورة ١٩٦٤ على نظام عبود العسكري، نُصب تمثالان لأحمد القرشي وبابكر عبد الحفيظ اللذيْن استشهدا في التظاهرات الطلابية في جامعة الخرطوم.107 وقامت أيضاً الجالية الهندية بأمدرمان بتنصيب تمثال لغاندي.108 ولكن دائماً ما يكون هناك نزاع حول وجود التماثيل في الأماكن العامة، ومع صعود التيار الإسلاموي في البلاد بدايةً من الثمانينيات، استُنكرت التماثيل كأصنام وحُطِّم معظمها.109 حتى التماثيل المصنوعة بواسطة طلاب كلية الفنون الجميلة واجهت هذا الاستنكار. فنظام البشير الذي صعد للسلطة في ١٩٨٩ عزّز هذا المنظور أكثر عن التماثيل والنصب التذكارية، لدرجة أن وزير السياحة والآثار والحياة البرية السابق، محمد عبد الكريم الهد، صرح في المحكمة قائلاً: لم تطأ قدمي أرض المتحف الوطني طوال فترة وجودي في الوزارة لأن المتحف يحوي أصناماً، مشيراً إلى تماثيل الممالك الكوشية.110

لكن الجدل الديني حول تمثيل الأجساد البشرية لا يتناقض مع فكرة التخليد في ذاتها، وإنما هو جدال حول الشكل المستخدَم. فإنّ الأفكار والأحداث والأشخاص المخلدين، هم جوهر النصب التذكارية عوضاً عن الشكل المختار لتمثيلهم. وبالتالي فإن عملية التخليد ينبغي أن تستجيب لقِيَم واحتياجات المجتمع، متبنيةً الشكل الأكثر ملائمة وقُبولاً لتخليد الذكرى والذي يسمح بحفظ التاريخ. وفي هذا الجدال، يجب ملاحظة أن هناك اختلافاً جذرياً بين إزالة تماثيل الإرث الاستعماري وإزالة التماثيل التي تُنسب للتاريخ السوداني الوطني بعد الاستقلال. فلقد رُفضت تماثيل الاستعمار ليس فقط بسبب شكلها، ولكن بسبب الصورة الرمزية الإمبريالية التي فُرضت على الشعب السوداني، إلى حد أنها أصبحت ساحات للمقاومة ضد الاستعمار ككل. ولكن هذه الساحات اختفت بعد إزالة التماثيل الاستعمارية، حيث أنها لم تُستبدل بنصب تذكارية تصون القيمة التاريخية وعلاقة السكان بتلك الساحات. وبعيداً عن التوتر المحيط بشكلها، فإن النصب التذكارية لا تزال لها القدرة على الوجود، ولكنها تُزال باستمرار دون أي استبدال، بالرغم من حقيقة أنها تعمل على عكس المُثُل والقيم التي تُهمّ الذاكرة الجمعية للشعب السوداني.

إنّ الفراغ الذي يخلّفه التخليد المادي في الخرطوم يؤثِّر سلباً على المشاريع التي تهدف إلى تخليد ذكرى ضحايا العنف والانتهاكات، تاركةً تاريخهم غير مُعترَف به بشكل كبير ومهدَّداً بالمحو. وبهذا الصدد، يمكن أن تُقرأ مجزرة اعتصام القيادة العامة كاستمرار للعنف المُرتَكَب من قِبَل الدولة ضد شعبها، والتي يظل معظمها دون مواقع للذكرى. فلم نشهد حتى الآن نُصباً تذكارية للحربيْن الأهليتين في السودان (١٩٥٥ – ١٩٧٢) و (١٩٨٣ – ٢٠٠٥)، وتُعتبَرالأخيرة واحدة من أطول الحروب الأهلية في التاريخ والتي تسبّبت في وفاة مليوني ونصف المليون من الضحايا.111 وتبقى الإبادة العرقية بدارفور كذلك بلا تخليد وتذكارات، والتي قُتل خلالها ٣٠٠ ألف شخص استناداً على تقديرات الأمم المتحدة.112 كثُرت الانتهاكات والمجازر في السودان، مع القليل جداً من الاعتراف والعدالة.

بالرغم من إقامة بعض المناسبات التذكارية، خاصةً لشهداء ثورة ديسمبر، يجب ملاحظة أن إقامة النصب التذكارية –لكلٍ من الأحداث المعاصرة والتاريخية– لها دورها المهم في عملية العدالة الانتقالية، والتصالح والديمقراطية. فإن تخليد الذكرى يتيح المجال للمجتمع للتحاور عمّا يجب أن يتم تذكّره كجزءٍ من عملية بناء هويتنا القومية، كما أنه يرسِّخ للحقيقة ويعلِّم الشعب تاريخ المعاناة الفظيع الذي مرّ به الشعب السوداني، من أجل أن يتم استيعاب الماضي وتجنُّب إعادته في المستقبل. فإن إسكات القصص التي تحكي عن هذا التاريخ بعدم السماح للنصب التذكارية بالوجود يُحبِط هذه العملية ويشتِّت إمكانية التصالح والتعافي.

في كلٍ من الأشكال المختلفة لمساحات الموت التي تم التطرُّق لها في هذا المقال، هناك عملية محو تحدث لتلك المعالم بمختلف الدرجات. فقباب رجال الصوفية التي شُيّدت خلال سلطنة الفونج يتم إزالتها واستبدالها بطُرُز معمارية حديثة ومعاصرة، مهدِّدةً بعض من أهم الموروثات المعمارية والأثرية في السودان. وإنّ مشهد المقابر في الخرطوم، على الجانب الآخر، تغَيَّر جذريًا خلال القرن الماضي، مع محو بعض المقابر والبناء فوقها لإفساح المجال للتوسّع العمراني بالمدينة. ففي العقود القليلة الماضية، كان تمدُّن الخرطوم يشكِّل ضغطاً على المقابر الحضرية الموجودة، قائداً إياها إلى الامتلاء حتى الطفح ومواجهة مستقبلٍ مجهول. ففي خضمّ هذه الضغوطات، من الممكن جداً أن يتكرَّر محو المقابر الحضرية. وأخيراً ومنذ الاستقلال، فإن النصب التذكارية كانت تُمحى وتزال باستمرار من المدينة بسبب التوتُّرات السياسية والدينية المحاطة بها.

ديناميكيات المحو المختلفة هذه تتأثر بفاعِلِين متعدِّدين وتُحكَم بسياسات الذاكرة والتذكّر، ولكن كلها تُلمِّح إلى أن هناك مشاكل حقيقية تواجه تخليد ذكرى مساحات الموت في المدينة وربما حتى الدولة ككل. بالرغم من ذلك، يجب علينا الاعتراف بوجود قيمة للحفاظ على مساحات الموت وثقافتها المادية حيث أنها تمثّل أرشيفاً لإرث الماضي وتحمِل القدرة على تغيير تعاطينا مع التاريخ والمدينة جذرياً. فمثال قبب شيوخ الصوفية يوضِّح القدرة الكامنة للتخليد والتذكارات على حفظ تاريخ يرجع لقرون من الزمان، مُمَكّنةً هذه المساحات من أن تحافظ على صِلتها بواقع حياة الناس، لتصبح في بعض الأحيان جزءاً من المشهد الاجتماعي والسياسي، مع اكتسابها طبقات جديدة من المعاني والارتباطات. وبدراسة علاقة القباب بالمدينة التي تُمكّنها من تجاوُز دورها كأماكن للدفن لتصير مقاصد حيوية للمجتمع؛ يمكن إيجاد فرص لاستخلاص وتنفيذ بعض الأفكار الجوهرية على الأنواع الأخرى من مساحات الموت المهددَّة بالإزالة. فربما عبر “استعارة” بعض العناصر التي أدَّت إلى نجاح القبب يمكِننا السماح بثقافة التخليد في السودان للتوسع من الحقل الديني والروحي وصولاً إلى المدني في محاولة لعكس الذاكرة الجمعية للمدينة والدولة ككل بالنسبة للموت.




1 McHugh, Neil. “Historical perspectives on the domed shrine in the Nilotic Sudan.” Practicing Sufism. Routledge, 2016. p. 105.

2 Ibid.

3 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. pp. 14.

4 Note: Sufi holy men became pillars that supported the economical, social, and political framework of the society in the Funj Sultanate (1504-1821) as pointed out in the Tabaqat, a book that contains the biographies of the sufi holy men who lived during the Funj Sultanate, describing their role in society and the state.

Daif Allah, Mohamed. “Kitab Al-Tabaqat fi Khosos Al-Awliya wa Al-Saliheen wa Al-Ulama wa Al-Sho’ara fi Al-Sudan.”

5 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. pp. 11-12.

6 Trimingham, J S. Islam in the Sudan. London: Cass, 1983. Print. p. 135.

7 Ibid. pp. 145-146.

8 Ibid. p. 129.

9 McHugh, Neil. “Historical perspectives on the domed shrine in the Nilotic Sudan.” Practicing Sufism. Routledge, 2016. p. 113.

10 “نوبة” الصوفية في السودان.. أهازيج وطقوس وتاريخ عريق https://www.trtarabi.com/explainers/نوبةالصوفيةفيالسودانأهازيجوطقوسوتاريخعريق-22749

11 Soghayroun, Intisar. “lslamic Qubbas as Archeological Artifacts: Origins, Features and their Cultural Significance”, in: Proceedings of the Ninth Conference of the International Society of Nubian Studies, ed. by T. Kendal. Boston, 1998, p. 410.

https://www.researchgate.net/publication/331319010_International_Society_of_Nubian_Studies

12 Ibid.

13 Al Sadig. Salah O. Al-Athar Al-Islamia Fi Mantiqat AlKhartoum (Islamic Antiquities in the Khartoum Region). Khartoum. 2009. Print. p. 58.

14 http://www.italtoursudan.com/luogo/old-dongola/

15 Ibid. p. 59.

16 Ibid. p. 35.

17 McGregor, Andrew. “The Circassian Qubba-s of Abbas Avenue, Khartoum: Governors and Soldiers in 19th Century Sudan.” Nordic Journal of African Studies 10.1 (2001): p. 33.

18 Hill, Richard. “DEATH OF A GOVERNOR-GENERAL.” Sudan Notes and Records, vol. 39, 1958, pp. 83–87. JSTOR, www.jstor.org/stable/41716782. Accessed 29 Sept. 2020.

19 McGregor, Andrew. “The Circassian Qubba-s of Abbas Avenue, Khartoum: Governors and Soldiers in 19th Century Sudan.” Nordic Journal of African Studies 10.1 (2001): p. 34.

20 Ibid. p. 34-35.

21 MJ Photography. Turkish Graves, Khartoum, Northern Sudan, Africa. 2011. Alamy Stock Photo. Photograph.

22 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. p. 82.

23 McHugh, Neil. “Historical perspectives on the domed shrine in the Nilotic Sudan.” Practicing Sufism. Routledge, 2016. p. 112.

24 McGregor, Andrew. “The Circassian Qubba-s of Abbas Avenue, Khartoum: Governors and Soldiers in 19th Century Sudan.” Nordic Journal of African Studies 10.1 (2001): p. 37.

25 Shuqayr, Na’um, and Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Sudan (History of Sudan). 1981. Print. pp. 798-799.

26 Zulfo, Ismat H. Karari: The Sudanese Account of the Battle of Omdurman. Khartoum: University of Khartoum. 1972. Print. p. 399.

27 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. pp. 95-96.

28 Zulfo, Ismat H. Karari: The Sudanese Account of the Battle of Omdurman. Khartoum: University of Khartoum. 1972. Print. p. 396.

29 Slatin, Rudolf C, and F R. Wingate. Fire and Sword in the Sudan: A Personal Narrative of Fighting and Serving the Dervishes. 1879-1895. London: E. Arnold, 1896. p. 340. Available Online: http://access.bl.uk/item/viewer/ark:/81055/vdc_00000001CEA8#?c=0&m=0&s=0&cv=383&xywh=-391%2C0%2C3794%2C2560

30 Ibid.

31 Fox, Paul. “Severed Heads: The Spoils of War in the Egyptian Sudan.” Available online: https://www.mwme.eu/main_news/Paul_Fox_beheading.pdf

32 Wilkinson-Latham, Robert, ed. The Sudan Campaigns, 1881-1898. Vol. 59. Osprey Publishing, 1976. p. 30.

33 Magnus, Philip. Kitchener: portrait of an imperialist. Plunkett Lake Press, 2019. Available online: https://books.google.com/books?id=XxbGDwAAQBAJ&lpg=PT6&ots=SULrWuYcRp&dq=Kitchener%20rescue%20gordon&lr&pg=PT57#v=onepage&q&f=false

34 Fox, Paul. “Kodaking a Just War: Photography, Architecture and the Language of Damage in the Egyptian Sudan, 1884–1898.” Militarized Cultural Encounters in the Long Nineteenth Century. Palgrave Macmillan, Cham, 2018. p. 121.

35 Zulfo, Ismat H. Karari: The Sudanese Account of the Battle of Omdurman. Khartoum: University of Khartoum. 1972. Print. p. 308.

36 Ibid. p. 519.

37 Gordon, Michelle. “Viewing Violence in the British Empire: Images of Atrocity from the Battle of Omdurman, 1898.” Journal of Perpetrator Research 2.2 (2019): p. 81. http://uu.diva-portal.org/smash/get/diva2:1318055/FULLTEXT01.pdf

3821 February 1899: Treatment of the Mahdi’s body condemned.” The Guardian, 18 May 2011. https://www.theguardian.com/theguardian/from-the-archive-blog/2011/may/18/guardian190-mahdi-body-in-sudan

39 House of Commons and Lords Historic Hansard Archive, the Official Report of debates in UK Parliament. HC Deb 05 June 1899 vol. 72 cc327-408. https://api.parliament.uk/historic-hansard/commons/1899/jun/05/supply

40 Morhig, G. N. The Mahdi’s Tomb Omdurman. The English Pharmacy, Khartoum. British Empire & Commonwealth Collection, Bristol Museum. Postcard. 1906. http://museums.bristol.gov.uk/details.php?irn=322799

41 Morhig, G. N. The Mahdi’s tomb at the bombardment of Omdurman. The English Pharmacy, Khartoum. Postcard. 1898. http://alanfildes.com/plogger/index.php?level=picture&id=111

42 Ibrahim, Hassan Ahmed. “THE DEVELOPMENT OF ECONOMIC AND POLITICAL NEO-MAHDISM IN THE SUDAN 1926-1935.” Sudan Notes and Records, vol. 58, 1977, p. 56. JSTOR, www.jstor.org/stable/44947355. Accessed 29 Sept. 2020.

43 Al Sadig. Salah O. Al-Athar Al-Islamia Fi Mantiqat AlKhartoum (Islamic Antiquities in the Khartoum Region). Khartoum. 2009. Print. p. 65.

44 Soghayroun, Intisar. “lslamic Qubbas as Archeological Artifacts: Origins, Features and their Cultural Significance”, in: Proceedings of the Ninth Conference of the International Society of Nubian Studies, ed. by T. Kendal. Boston, 1998, p. 408.

https://www.researchgate.net/publication/331319010_International_Society_of_Nubian_Studies

45 McHugh, Neil. “Historical perspectives on the domed shrine in the Nilotic Sudan.” Practicing Sufism. Routledge, 2016. p. 112.

46 Ibid.

47 Ibid.

48 Charles Beery/Shostal Associates. Omdurman, Sudan: tomb of al-Mahdī. Encyclopædia Britannica. https://www.britannica.com/place/Omdurman#/media/1/428298/13283

49 Daif Allah, Mohamed. “Kitab Al-Tabaqat fi Khosos Al-Awliya wa Al-Saliheen wa Al-Ulama wa Al-Sho’ara fi Al-Sudan.” p. 13.

50 Al Sadig. Salah O. Al-Athar Al-Islamia Fi Mantiqat AlKhartoum (Islamic Antiquities in the Khartoum Region). Khartoum. 2009. Print. p. 46.

51 Soghayroun, Intisar. “lslamic Qubbas as Archeological Artifacts: Origins, Features and their Cultural Significance”, in: Proceedings of the Ninth Conference of the International Society of Nubian Studies, ed. by T. Kendal. Boston, 1998, pp. 401-402.

https://www.researchgate.net/publication/331319010_International_Society_of_Nubian_Studies

52 Ibid.

53 Al Sadig. Salah O. Al-Athar Al-Islamia Fi Mantiqat AlKhartoum (Islamic Antiquities in the Khartoum Region). Khartoum. 2009. Print. pp. 23-24.

54 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. p. 183.

55 Bakheet, Ali K. Tajrubat Monazamat Husn Al-Khatima (The experience of Husn Al-Khatima Organisation). Khartoum: Sharikat Matabie Al-Sudan Lil’omla Al-mahdooda. 2016. Print. p. 88.

56 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. pp. 184-185.

57 Ibid.

58 Al Sadig. Salah O. Al-Athar Al-Islamia Fi Mantiqat AlKhartoum (Islamic Antiquities in the Khartoum Region). Khartoum. 2009. Print. p. 75.

59 Arkell, Anthony John. “Early Khartoum: an account of the excavation of an early occupation site carried out by the Sudan Government Antiquities Service in 1944-5.” 1949. p. 7. http://sfdas.com/publications/ouvrages-specialises-en-ligne-ouvrages/article/early-khartoum?lang=en

60 Note: Arkell notes in his book Early Khartoum (p.1) that there were two main cemeteries at the city during the siege of Khartoum in 1885 as depicted in Slatin’s map of Khartoum and Omdurman.

Slatin, Rudolf C, and F R. Wingate. Fire and Sword in the Sudan: A Personal Narrative of Fighting and Serving the Dervishes. 1879-1895. London: E. Arnold, 1896. p. 630. Available Online: http://access.bl.uk/item/viewer/ark:/81055/vdc_00000001CEA8#?c=0&m=0&s=0&cv=700&xywh=-30%2C-1%2C4316%2C2913

61 Ibid. p. 111.

62 “THE EXCAVATION OF AN ANCIENT SITE AT KHARTOUM.” Sudan Notes and Records, vol. 26, no. 1, 1945, p. 182. JSTOR, www.jstor.org/stable/41724756. Accessed 4 Oct. 2020.

63 Bakheet, Ali K. Tajrubat Monazamat Husn Al-Khatima (The experience of Husn Al-Khatima Organisation). Khartoum: Sharikat Matabie Al-Sudan Lil’omla Al-mahdooda. 2016. Print. p. 88.

64 Sudan. Maṣlaḥat al-Misāḥah. Plan of Omdurman. 1949. Retrieved from Durham University. https://iiif.durham.ac.uk/index.html?manifest=t2m0v838059v&canvas=t2t2v23vv62n

65 Sudan. Maṣlaḥat al-Misāḥah. Plan of Khartoum and district / Town Survey Office. Khartoum, Sudan. 1946. Map. Retrieved from the American Geographical Society Library, University of Wisconsin-Milwaukee. https://collections.lib.uwm.edu/digital/collection/agdm/id/14477

66 Al Sadig. Salah O. Al-Athar Al-Islamia Fi Mantiqat AlKhartoum (Islamic Antiquities in the Khartoum Region). Khartoum. 2009. Print. p. 74.

67 Ibid.

68 Ibid. pp. 69-70.

69 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. p. 132.

70 Ibid.

71 Bakheet, Ali K. Phone interview. 5 July 2020.

72 أين ندفن موتانا؟…أزمة قبور https://www.cover-sd.com/news-action-show-id-3639.htm

73 Ibid.

74 Ibid.

75 “أحوال القبور” تقر وزارة التخطيط العمراني بولاية الخرطوم الحاجة إلى مدافن جديدة ولكن المقابر الحالية تعاني من تعدي البعض على مساحاتها

https://www.sudanakhbar.com/244310

76 Note: Between 2001 and 2008, the Ministry of Physical Planning established 5 new cemeteries in Khartoum State under Husn Al-Khatima’s supervision: AlKalakla Sharig (الكلاكلة شرق), AlJereef Gharib (الجريف غرب), AlAmeer (الامير), Adam Yaqoub (آدم يعقوب), and Hamad AlNateefa (حمد النتيفة) cemeteries. It also expanded on the following existing cemeteries: Ahmed Sharfi, AlBakry, and Farouq cemeteries.

Bakheet, Ali K. Tajrubat Monazamat Husn Al-Khatima (The experience of Husn Al-Khatima Organisation). Khartoum: Sharikat Matabie Al-Sudan Lil’omla Al-mahdooda. 2016. Print. pp. 33-34.

77 “أحوال القبور” تقر وزارة التخطيط العمراني بولاية الخرطوم الحاجة إلى مدافن جديدة ولكن المقابر الحالية تعاني من تعدي البعض على مساحاتها

https://www.sudanakhbar.com/244310

78 Bakheet, Ali K. Phone interview. 5 July 2020.

79الخرطوم تكشف عن وفاة (200) مواطن يومياً https://www.alnilin.com/12921963.htm

80 Brett, Sebastian, et al. “Memorialization and democracy: State policy and civic action.” FLASCO, International Center for Transitional Justice (2007). p. 6. https://ictj.org/sites/default/files/ICTJ-Global-Memorialization-Democracy-2007-English_0.pdf

81 Bahreldin, Ibrahim Z. “Beyond the Sit-In: Public Space Production and Appropriation in Sudan’s December Revolution, 2018.” Sustainability 12.12 (2020): 5194. https://www.mdpi.com/2071-1050/12/12/5194

82 “They Were Shouting ‘Kill Them’” Sudan’s Violent Crackdown on Protesters in Khartoum. https://www.hrw.org/report/2019/11/18/they-were-shouting-kill-them/sudans-violent-crackdown-protesters-khartoum#

83 Central Committee of Sudan Doctors (CCSD). June 5th, 2019. https://www.facebook.com/Sudandoctorscommittee/photos/a.1775635796055662/2339370783015491/?type=3&theater

84 More than 100 Sudanese still missing after ‘June 3 Massacre’

https://www.dabangasudan.org/en/all-news/article/more-than-100-sudanese-missing-after-june-3-massacre

85 https://islamicmedia.org/2019/06/03/السودانقواتالأمنتقتحممقراعتصامال/

86 بتسمية الشوارع بأسماء المحتجين.. السودانيون يوثقون ثورتهم

https://masralarabia.net/صحافة-أجنبية/1516612-بتسمية-الشوارع-بأسماء-المحتجين–السودانيون-يوثقون-ثورتهم-%C2%A0

87Sudan murals commemorate protest ‘martyrs’ https://www.thejakartapost.com/life/2019/07/24/sudan-murals-commemorate-protest-martyrs.html

88 Martyrs of the December Revolution Memorial Proposal, Nasma Abdulhafeez.

89 الشهيد عبد العظيم ..وصموده الأسطوري!

90 Osman, Hosam ‘Spaidr’. Phone Interview. 20 July 2020.

Note: The artist explained that he was in the same protest in AlAbaseya neighborhood where AbdulAzeem was martyred and he felt the need to commemorate AbdulAzeem’s last moment and engrave it in people’s memories in a physical form.

91 Ibid.

92 https://www.dabangasudan.org/ar/allnews/article/تمثالالشهيدعبدالعظيميعودفيثلاثنسخ

93 Ward, John. Our Sudan, Its Pyramids And Progress. London: J. Murray, 1905. pp. 119-120. https://hdl.handle.net/2027/hvd.32044032977563?urlappend=%3Bseq=151

94 Sudan survey department (Khartoum). Layton, M. Alkhartoum = Khartoum. Khartoum: The Sudan Survey Department. 1952. Map. Retrieved from the David Rumsey Collections. https://www.davidrumsey.com/luna/servlet/s/425air

95 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. pp. 179-180.

96 Sandes, Lieut, and E. W. C. Colonel. The Royal Engineers in Egypt and the Sudan. The Institution of Royal Engineers, Chatham, 1937. p. 303. https://digitalt.uib.no/handle/1956.2/2525

97 Ibid.

98 Matson Photo Service. Government offices and equestrian statue of Kitchener. Khartoum, Sudan. Photograph. Retrieved from the Library of Congress. www.loc.gov/item/2019691471/

99 Matson Photo Service. Bronze monument of General Gordon on camel-back on a main cross-way. Khartoum, Sudan. Photograph. Retrieved from the Library of Congress, www.loc.gov/item/2019691466/

100 Ward, John. Our Sudan, Its Pyramids And Progress. London: J. Murray, 1905. p. 124. https://hdl.handle.net/2027/hvd.32044032977563?urlappend=%3Bseq=151

101 Savage, Kirk. Standing soldiers, kneeling slaves: Race, war, and monument in nineteenth-century America. Princeton University Press, 2018. p. 4

102 Abu-Salim, M. Ibrahim. Tarikh Al-Khartoum (History of Khartoum). Khartoum: Dar El Irshad, 1971. Print. p. 181.

103 Ibid.

104 Ibid.

105 جدل التماثيل و”الأصنام” في السودان

https://ultrasudan.ultrasawt.com/جدل-التماثيل-والأصنام-في-السودان-من-حطم-نصب-شهيد-الثورة؟/عزمي-عبد-الرازق/مجتمع

106 https://www.marefa.org/بابكر_بدري

107 http://213.246.110.126/index.php/منبرالرأي/34-0-6-8-3-1-6-8/103781-عرضلكتاببيترإفرنجتونياخواجة،أعملحسابك،مدرسبريطانيفيالسودان-1958-–-1966-بقلمبروفيسورفدوىعبدالرحمنعليطه،جامعةالخرطوم

108 http://www.sudanile.com/index.php/منبرالرأي/75-3-5-6-6-0-4-7/111646-الرجالالبلهاءومحوالتاريخبقلمجمالمحمدابراهيم

109 Ahmad, Adil Mustafa. “Khartoum blues: the deplanning and decline of a capital city.” Habitat International 24.3 (2000): p. 322.

110 https://www.alhurra.com/differentangle/2018/07/25/وزيرآثارسودانيالتماثيلأصنام

111 Sudan: 1983-2005 https://sites.tufts.edu/atrocityendings/2015/08/07/sudan-2nd-civil-war-darfur/

112 U.N. says Darfur dead may be 300,000 as Sudan denies

https://www.reuters.com/article/us-sudan-darfur-un/u-n-says-darfur-dead-may-be-300000-as-sudan-denies-idUSN2230854320080422